الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
لما كانت الأحوال صفات لذواتها ذكرها بعد القتل وما يتعلق به قال رحمه الله: (المعتبر حالة الرمي) في حق الحل والضمان عند ذلك قال رحمه الله: (فتجب الدية بردة المرمي إليه قبل الوصول) يعني لو رمى رجل رجلا مسلما فارتد المرمي إليه والعياذ بالله قبل وصول السهم إليه ثم وقع به السهم تجب على الرامي الدية وهذا عند الإمام وقالا لا شيء عليه؛ لأن التلف حصل في محل لا عصمة له؛ لأنه بارتداده أسقط تقوم نفسه فصار مبرئا للرامي عن موجبه كما لو أبرأه في هذه الحالة، وللإمام أن الضمان يجب بفعله وهو الرمي؛ لأنه هو الذي يدخل تحت قدرته دون الإصابة ولا فعل له أصلا بعده فيصير قاتلا بالرمي ألا ترى أنه لو رمى إلى صيد وهو مسلم ثم ارتد والعياذ بالله تعالى فأصاب السهم الصيد وهو مرتد فجرحه ومات بالجرح حل أكله وكذلك لو كفر بعد الرمي قبل الإصابة جاز تكفيره وكان القياس أن يجب القصاص لما ذكرنا لكنه سقط بالشبهة قال في النهاية وقولهما إنه بالارتداد صار مبرئا له عن ضمان الجناية غير صحيح لأن اعتقاد المرتد أن الردة لا تبطل التقوم فكيف يصير مبرئا عن ضمان الجناية غير صحيح كذا في الجامع الصغير لقاضي خان والتمرتاشي والمحبوبي. قال رحمه الله: (لا بإسلامه) أي لا يجب شيء بإسلام المرمي إليه بأن رمى إلى حربي أو مرتد فأسلم قبل الإصابة ثم أصابه بعدما أسلم وهذا بالإجماع لأن الرمي لم ينعقد موجبا للضمان لعدم تقوم المحل لأن المرتد والحربي لا عصمة لدمهما قال رحمه الله: (والقيمة بعتقه) يعني لو رمى إلى عبد فأعتقه المولى بعد الرمي قبل الإصابة فأصابه السهم فمات لزم الرامي القيمة عند الإمام وقال محمد له فضل ما بين قيمته مرميا وغير مرمي لأن العتق قطع السراية وإذا انقطعت بقي مجرد الرمي وهي جناية تنتقص بها قيمة المرمي إليه بالإضافة إلى ما قبل الرمي فيجب عليه ذلك حتى لو كانت قيمته ألف درهم قبل الرمي وثمانمائة بعده لزمه مائتان لأن العتق قاطع للسراية ألا ترى أن من قطع يد عبد ثم أعتقه مولاه ثم مات منه لا يجب عليه إلا أرش اليد مع النقصان الذي نقصه القطع إلى العتق وهو بنفس الرمي فصار جانيا عليه لأنه يوجب النقصان ولأبي حنيفة رحمه الله أن الرامي يصير قاتلا له من وقت الرمي وهو مملوك في تلك الحالة بخلاف القطع والجرح لأن كل واحد منهما إتلاف لبعض المحل والإتلاف يوجب الضمان للمولى لأنه ورد على محل مملوك له ثم إذا سرى لا يوجب شيئا لأنه لو أوجب شيئا لوجب للعبد لا للمولى لانقطاع حق المولى عنه وظهور حقه فيه فيصير النهاية مخالفة للبدية فصار ذلك كتبدل المحل وعند تبدل المحل لا تتبدل السراية فكذا هنا أما الرمي فقبل الإصابة به ليس بإتلاف شيء منه لأنه لا أثر له في المحل. وإنما قلت فيه الرغبات فلا يجب فيه الضمان قبل الاتصال بالمحل وعند الاتصال بالمحل يستند الوجوب إلى وقت الانعقاد فلا تخالف النهاية البداية فتجب قيمته للمولى وقال زفر رحمه الله عليه الدية لأن الرمي إنما صار علة عند الإصابة إذ الإتلاف لا يصير علة من غير تلف يتصل به، ووقت التلف المتلف حر فتجب ديته وأبو يوسف مع أبي حنيفة فيه والفرق له بين هذا وبين ما تقدم من مسألة الارتداد أنه اعترض على الرمي ما يوجب عصمة المحل فيما تقدم، فحصل ذلك بمنزلة الإبراء أما هنا اعترض على الرمي بما يؤكد عصمة المحل وهو الإعتاق فلا تبطل به الجناية. قال رحمه الله: (ولا يضمن الرامي برجوع شاهد الرجم بعد الرمي) معناه إذا قضى القاضي برجم رجل فرماه رجل ثم رجع أحد الشهود بعد الرمي قبل الإصابة ووقع عليه الحجر فلا شيء على الرامي لما أن المعتبر حالة الرمي وهو مباح الدم. قال رحمه الله: (وحل الصيد بردة الرامي لا بإسلامه) معناه إذا رمى مسلم صيدا فارتد قبل وقوع السهم بالصيد حل أكله ولو رماه وهو مجوسي فأسلم قبل الوقوع لا يحل لأن المعتبر حالة الرمي في حق الحل والحرمة إذ الرمي هو الذكاة لأنه فعله ويدخل تحت قدرته لا الإصابة فتعتبر الأهلية وعدمها عنده قال رحمه الله: (ووجب الجزاء بحله لا بإحرامه) أي لو رمى المحرم صيدا فحل قبل الإصابة ثم أصاب وجب عليه الجزاء. وإن رماه وهو حلال فأحرم قبل الإصابة فوقع الصيد وهو محرم لا يجب عليه الجزاء لأن الجزاء يجب بالتعدي، وهو الرمي في حالة الإحرام ووجد ذلك في الأول دون الثاني، والأصل في مسائل هذا الكتاب أن يعتبر وقت الرمي بالاتفاق وإنما عدل أبو يوسف ومحمد عن ذلك فيما إذا رمى إلى مسلم فارتد والعياذ بالله قبل الإصابة باعتبار أنه صار مبرئا له على ما بينا في أول هذا الفصل والله تعالى أعلم بالصواب. قال في العناية ذكر الديات بعد الجنايات ظاهر المناسبة لما أن الدية أحد موجبي الجناية في الآدمي صيانة له عن القصاص لكن القصاص أشد جناية فلذا قدمه والكلام فيها من وجوه الأول في دليل مشروعيتها والثاني في معناها لغة والثالث في معناها عند الفقهاء والرابع في سبب وجوبها والخامس في فائدتها والسادس في ركنها والسابع في شرطها والثامن في حكمها أما دليل المشروعية فقوله تعالى: {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} الآية. وأما معناها في اللغة فالدية مصدر ودى القاتل المقتول أعطى ديته وأعطى لوليه المال الذي هو بدل النفس ثم قيل لذلك المال الدية تسمية بالمصدر كذا في المغرب قال في القاموس الدية حق للقتيل جمعها ديات وفي الصحاح وديت القتيل أديه دية إذا أعطيت ديته وأما معناها شرعا فالدية عبارة عما يؤدى وقد صار هذا الاسم علما على بدل النفوس دون غيرها وهو الأرش وأما سبب وجوبها فالخطأ فإن الآدمي لما خلق في الأصل معصوم النفس محقون الدم مضمونا عن الهدر فيجب صون حقه عن البطلان. وأما الخامس وهو فائدتها فهو دفع الفساد وإطفاء نار ولي المقتول. وأما ركنها فهو الأداء والإيتاء وأما شرط وجوبها فكون المقتول معصوم الدم متقوما بعصمة الدار ومنعة الإسلام حتى لو أسلم الحربي في دار الحرب ولم يهاجر إلينا فقتل لا تجب الدية. وأما حكمها فتمحيض ذنب التقصير بالتكفير وفي المبسوط يحتاج إلى بيان كيفية وجوب الدية وكيفية مقدارها أما كيفية وجوب الدية ففي نفس الحر تجب دية كاملة يستوي فيها الصغير والكبير والوضيع والشريف والمسلم والذمي وقال الشافعي رحمه الله دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم وفي المجوس ثمانمائة والصحيح قولنا لما روي أن «النبي صلى الله عليه وسلم قضى بدية المستأمنين اللذين قتلهما عمر وابن أبي أمية كدية حرين مسلمين» وعن الزهري أنه قال قضى أبو بكر وعمر في دية الذمي بمثل دية المسلم ولأنهما يستويان في العصمة والحرية ولهذا قال علي رضي الله عنه إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا ونقص الكفر يؤثر في أحكام العقائد فيستويان في الدية قال في الكافي الدية المال الذي هو بدل النفس والأرش اسم للواجب على ما دون النفس. ا هـ. أقول: الظاهر من هذه المذكورات كلها أن تكون الدية مختصة بما هو بدل النفس وينافيه ما سيجيء في الفصل الآتي من أن في المارن الدية وفي اللسان الدية وفي الذكر الدية وفي اللحية الدية وفي شعر الرأس الدية وفي الحاجبين الدية وفي العينين الدية وفي اليدين الدية وفي الرجلين الدية إلى غير ذلك من المسائل التي أطلقت الدية فيها على ما هو بدل ما دون النفس وكذا ما ورد في الحديث وهو ما روى سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «في النفس وفي اللسان الدية وفي المارن» وهكذا هو الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم رضي الله عنه كما سيأتي فالأظهر في تفسير الدية ما ذكره صاحب العناية آخرا فإنه بعد أن ذكر مثل ذلك في المغرب وعامة الشروح قال والدية اسم لضمان يجب بمقابلة الآدمي أو طرف منه سمي بها لأنه يؤدى عادة لأنه قل ما يجري فيه العفو لعظم حرمة الآدمي. ا هـ. ولما كان المقصود من الفقه بيان الأحكام لا بيان الحقائق ترك المؤلف بيان الحقيقة وشرع يبين أنواعها. قال رحمه الله: (دية شبه العمد مائة من الإبل أرباعا من بنت مخاض إلى جذعة) يعني خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون جذعة وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد والشافعي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ثنية في بطونها أولادها لقوله عليه الصلاة والسلام: «ألا إن قتيل الخطإ العمد بالسوط والعصا والحجر وفيه دية مغلظة مائة من الإبل أربعون منها ثنية إلى بازل عامها كلهن خلفة» ولأنه لا خلاف أن التغليظ فيه واجب لشبهه بالعمد ومعنى التغليظ يتحقق بإيجاب شيء لا يجب في الخطأ ولهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: «قضى في الدية بمائة من الإبل أرباعا» ومعلوم أنه لم يرد به الخطأ لأنه تجب فيه أخماسا فعلم أن المراد به شبه العمد و لأنه لا خلاف بين الأمة أن الدية مقدر بمائة من الإبل قال عليه الصلاة والسلام: «في نفس المؤمن مائة من الإبل» واختلفوا في صفة التغليظ فذهب ابن مسعود رضي الله عنه إلى أنها أرباع مثل مذهبنا، ومذهب علي رضي الله عنه أنها أثلاث ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربعة وثلاثون خلفة. قال رحمه الله: (ولا تتغلظ الدية إلا في الإبل) لأن الشرع ورد به وعليه الإجماع والمقدرات لا تعرف إلا سماعا إذ لا مدخل للرأي فيها فلم تتغلظ بغيره حتى لو قضى به القاضي لا ينفذ قضاؤه لعدم التوقيف بالتقدير بغير الإبل. قال رحمه الله: (وفي الخطأ مائة من الإبل أخماسا) أي دية الخطأ مائة من الإبل أخماسا ابن مخاض إلخ أي عشرون ابن مخاض وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة، فإذا كانت أخماسا يكون من كل نوع من هذه الأنواع عشرين لما روى ابن مسعود رضي الله عنه أن «النبي صلى الله عليه وسلم قال في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون بنت مخاض» رواه أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم والشافعي أخذ بمذهبنا غير أنه قال يجب عشرون ابن لبون مكان ابن مخاض والحجة عليه ما روينا ولأن ما قلناه أخف لإقامة ابن المخاض مقام ابن لبون فكان ابن لبون أليق بحال المخطئ ولأن الشرع جعل ابن اللبون بمنزلة بنت المخاض في الزكاة حيث أخذه مكانها فإيجاب العشرين منه مع العشرين من بنت المخاض كإيجاب أربعين بنت مخاض وذلك لا يليق بل لا يجوز لعدم التغاير وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام لم يرد بتغيير أسنان الإبل إلا التخفيف ولا يتحقق فيه التخفيف فلا يجوز. قال رحمه الله: (أو ألف دينار أو عشرة آلاف درهم) وقال مالك والشافعي رحمهما الله تعالى الدية اثنا عشر ألف درهم لما رويا عن ابن عباس أن {رجلا قتل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفا» رواه أبو داود والترمذي ولأنه لا خلاف أنها من الدنانير ألف دينار وكانت قيمة الدينار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر درهما ولنا ما روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن «النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدية في قتيل بعشرة آلاف درهم» وما قلنا أولى للتيقن به لأنه أقل أو يحمل على ما روياه على وزن خمسة وما رويناه على وزن ستة وهكذا كانت دراهمهم من زمان النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمان عمر على ما حكاه الخبازي في كتاب الزكاة فإنه قال كانت الدراهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة الواحد منها وزن عشرة أي العشرة منه وزن عشرة دنانير وهو قدر الدينار والثاني وزن ستة أي العشرة منه وزن ستة إلى آخر ما تقدم في كتاب الزكاة فجمع عمر رضي الله عنه بين الثلاثة فخلط فجعله ثلاثة دراهم فصار ثلث المجموع درهما فكشف هذا أن الدينار عشرون قيراطا فوق العشرة يكون مثله عشرون قيراطا ضرورة استوائهما ووزن الستة يكون نصف الدينار وعشرة فيكون اثني عشر قيراطا وزن الخمسة يكون نصف الدينار فيكون عشرة قراريط فيكون المجموع اثنين وأربعين قيراطا فإن جعلتها أثلاثا صار كل ثلث أربعة عشر قيراطا وهو الذي كان عليه دراهمهم. فإذا حمل ما رواه الشافعي على وزن خمسة وما رويناه على وزن ستة استويا والذي يرجح مذهبنا ما روي أن الواجب في الجنين خمسمائة درهم وهو عشر دية الأم عنده سواء كان ذكرا أو أنثى وعندنا عشر دية النفس إن كان أنثى ونصف العشر إن كان ذكرا فعلم بذلك أن دية الأم خمسة آلاف ودية الرجل ضعف ذلك وهو عشرة آلاف ولأنا أجمعنا أنها من الذهب ألف دينار والدينار مقوم في الشرع بعشرة دراهم ألا ترى أن نصاب الفضة في الزكاة مقدر بمائتي درهم ونصاب الذهب فيها بعشرين دينارا فيكون غنيا بهذا القدر من كل واحد منهما إذ الزكاة لا تجب إلا على الغني فيعلم بذلك علما ضروريا أن الدينار مقدر بعشرة دراهم ثم الخيار في هذه الأنواع الثلاثة إلى القاتل لأنه هو الذي يجب عليه فيكون الخيار إليه كما في كفارة اليمين ولا تثبت الدية إلا من هذه الأنواع الثلاثة عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا يجب منها ومن البقر مائتا بقرة ومن الغنم ألف شاة ومن الحلل مائتا حلة كل حلة ثوبان لما روي عن جابر رضي الله عنه أن «النبي صلى الله عليه وسلم فرض في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل هذه الشياه ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة» رواه أبو داود وكان عمر رضي الله عنه يقضي بذلك على أهل كل مال كما ذكرنا وكل حلة ثوبان إزار ورداء وهو المختار وفي النهاية قيل في زماننا قميص وسراويل وله أن التقدير إنما يستقيم بشيء معلوم المالية وهذه الأشياء مجهولة المالية ولهذا لا يقدر بها ضمان المتلفات والتقدير بالإبل عرف بالآثار المشهورة ولم يوجد ذلك في غيرها فلا يعدل عن القياس والآثار التي وردت فيها تحتمل القضاء فيها بطريق الصلح فلا يلزم حجة وذكر في المعاقل أنه لو صالح على الزيادة على مائتي حلة أو مائتي بقرة لا يجوز وتأويله أنه قولهما. قال رحمه الله: (وكفارتهما ما ذكر في النص) أي كفارة القتل خطأ وشبه العمد هو الذي ذكر في القرآن وهو الإعتاق والصوم على الترتيب متتابعا كما ذكر في النص قال الله تعالى: {فتحرير رقبة مؤمنة} وشبه العمد خطأ في حق القتل وإن كان عمدا في حق الضرب فتتناولهما الآية ولا يختلفان فيه لعدم النقل بالاختلاف بخلاف الدية حيث تجب في شبه العمد مغلظة لوجود التوفيق في التغليظ في شبه العمد دون الخطأ والمقادير لا تجب إلا سماعا قال رحمه الله: (ولا يجوز الإطعام والجنين) لأن الإطعام لم يرد به النص والمقادير لم تعرف إلا سماعا ولأن المذكور كل الواجب إما في الجواب أو لكونه كل المذكور والجنين لم تعرف حياته ولا سلامته فلا يجوز و لأنه عضو من وجه فلا يدخل تحت مطلق النص قال رحمه الله: (ويجوز الرضيع لو أحد أبويه مسلما) لأنه مسلم تبع له. والظاهر سلامة أطرافه على ما عليه الحيلة ولا يقال كيف اكتفى هذا بالظاهر في سلامة أطرافه حتى جاز التكفير ولم يكتف بالظاهر في حد وجوب الضمان بإتلاف أطرافه لأنا نقول الحاجة في التكفير إلى دفع الواجب والظاهر يصلح حجة للدافع والحاجة في الإتلاف إلى دفع الضمان وهو لا يصلح حجة فيه ولأنه يظهر حال الأطراف فيما بعد التكفير إذا عاش ولا كذلك الإتلاف فافترقا. قال رحمه الله: (ودية المرأة على النصف من دية الرجل في النفس وفيما دونها) روي ذلك عن علي موقوفا ومرفوعا وقال الشافعي الثلث وما دون الثلث لا يتنصف لما روي عن سعيد بن المسيب أنه السنة وقال الشافعي السنة إذا أطلقت يراد به سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولنا ما روينا وما رواه أن كبار الصحابة أفتوا بخلافه ولو كان سنة النبي صلى الله عليه وسلم لما خالفوه. وقوله سنة محمول على أنه سنة زيد لأنه لم يرو إلا عنه موقوفا ولأن هذا يؤدي إلى المحال وهو أما إذا كان ألمها أشد ومصابها أكبر أن يقل أرشها بيانه أنه لو قطع إصبع منها يجب عشر من الإبل، وإذا قطع إصبعان يجب عشرون، وإذا قطع ثلاثة يجب ثلاثون لأنها تساوي الرجل فيه على زعمه لكونه ما دون الثلث ولو قطع أربعة يجب عشرون للتنصيف فيما هو أكثر من الثلث فقطع الرابعة لا يوجب شيئا بل يسقط ما وجب بقطع الثالثة، وحكمة الشارع تنافي ذلك فلا تجوز نسبته إليه لأن من المحال أن تكون الجناية لا توجب شيئا شرعا وأقبح منه أن تسقط ما وجب لغيرها وهذا مما تحيله العقلاء بالبديهة ولأن الشافعي يعتبر الأطراف بالأنفس وتركه هنا حيث نصف دية النفس ولم ينصف دية الأطراف إلا إذا زاد على الثلث. قال رحمه الله: (ودية المسلم والذمي سواء) لما روي عن ابن عباس أن «النبي صلى الله عليه وسلم قضى في مستأمن قتله عمرو بن أمية الضمري بمائة من الإبل» وقال عليه الصلاة والسلام: «ودية كل ذي عهد في عهده ألف دينار» وعن الزهري أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يجعلان دية الذمي مثل دية المسلم وقال علي رضي الله عنه إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا وفي ظاهر قوله تعالى: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله} دلالة عليه لأن المراد منه ظاهر ما هو المراد من قوله تعالى في قتل المؤمن {ودية مسلمة إلى أهله} لأنهم معصومون متقومون لإحرازهم أنفسهم بالدار فوجب أن يكونوا ملحقين بالمسلمين إذ يجب بقتلهم ما يجب بقتلهم أن لو كانوا مسلمين. ألا ترى أن أموالهم لما كانت معصومة متقومة يجب بإتلافها ما يجب بإتلاف مال المسلم، فإذا كان هذا في أموالهم فما ظنك في أنفسهم ولا يقال إن نقص الكفر فوق نقص الأنوثة والرق فوجب أن تنتقص ديته به كما تنتقص بالأنوثة والرق ولأن الرق أثر الكفر، فإذا انتقص بأثره فأولى أن ينتقص به لأنا نقول نقصان دية المرأة والعبد لا باعتبار نقصان الأنوثة والرق بل باعتبار نقصان صفة المالكية فإن المرأة لا تملك النكاح والعبد لا يملك المال والحر الذكر يملكهما ولهذا زادت قيمته ونقصت قيمتهما والكافر يساوي المسلم في هذا المعنى فوجب أن يكون بدله كبدله والمستأمن ديته مثل دية الذمي في الصحيح لما روينا. لما فرغ من بيان دية النفس شرع يذكر ما يلحق بها فيها قال رحمه الله: (في النفس والمارن) يعني تجب الدية في كل واحد منهما قال محمد رحمه الله وفي الأنف الدية وفي المارن الدية والمارن ما لان من الأنف وفي الذخيرة فيه حكومة عدل وفي الأصل وإذا قطع أنف رجل وذهب شمه تجب دية كاملة وفي الظهيرية وبه يفتى وعن محمد أنه تجب حكومة العدل وفي الكافي ولو قطع المارن مع القصبة لا يزاد على دية واحدة وطريق معرفة ذهاب الشم أن يوضع بين يديه ما له رائحة كريهة فإن نفر عن ذلك علم أنه لم يذهب شمه وفي المنتقى إذا جنى عليه فصار لا يستنثر من أنفه ولكن يستنثر من فمه فعليه حكومة عدل. وفي شرح الطحاوي إذا قطع المارن ثم الأنف، فإن كان قبل البرء تجب دية واحدة، وإن كان بعد البرء تجب الدية في المارن وحكومة العدل في الباقي وفي جنايات الحسن إذا كان أنف القاطع أصفر كان المقطوع أنفه بالخيار إن شاء قطع أنفه، وإن شاء أخذ أرشه، فإن كان في أنف القاطع نقصان من شيء أصابه أو كان أخشم لا يجد الريح فكذلك الجواب وفي الحاوي أخشم يعني أصغر أو أخرق فالمقطوع أنفه بالخيار إن شاء قطع أنف القاطع، وإن شاء ضمنه دية الأنف وفي الكبرى: لو قطع الأنف من أصل العظم اقتص منه ومعناه ما يليه المارن، فإنه قال لو ضرب أنفه فوق العظم فانكسر العظم وتدغدغ اللحم حتى ذهب بالأنف لم يكن فيه قصاص وعن محمد أنه لو قطع المارن وهي أرنبته يقتص منه، وإن قطع من أصله فلا قصاص عليه لأنه عظم وليس بمفصل والجواب أما السن فقد قيل إنه ليس بعظم، وإنما هو عصب ينعقد ولو كان عظما لنبت إذا كسر بخلاف سائر العظام ومراد محمد العظام الذي لا ينتقص على حسب المراد إلا أنه سامح وأوجز في اللفظ وفي القدوري في الأنف المقطوعة أرنبته حكومة عدل وفي الأصل إذا انكسر أنف إنسان ففيه حكومة عدل، وإذا قطع كل المارن عمدا يجب القصاص، وإذا قطع بعضه لا يجب القصاص، وإذا قطع بعض عصبة الأنف لا يجب القصاص بالاتفاق. وإذا قطع كل الأنف لا يجب القصاص وعند أبي يوسف يجب هكذا ذكره الكرخي قال القدوري أراد بقوله إذا قطع كل الأنف يجب الفاضل عن قول أبي يوسف في المارن أما عصبة الأنف عظم ولا قصاص في العظم بالإجماع وقدمنا ذلك بتفاصيله. قال رحمه الله: (وفي اللسان والذكر والحشفة) يعني الدية أما اللسان قال محمد في الأصل وفي اللسان الدية يريد به حالة الخطأ، وإذا قطع بعض اللسان إن منعه عن الكلام ففيه كمال الدية، وأما إذا منعه عن بعض الكلام دون البعض، فإنه تجب الدية بقدر ما فات إن كان الفائت نصفا يجب نصف الدية، وإن كان ربعا يجب ربع الدية وكيف نعرف مقدار الفائت من الباقي اختلف المشايخ المتأخرون قال بعضهم يعرف بالتهجي بحروف المعجم التي عليها مدار كلام العرب وهي ثمانية وعشرون حرفا، فإن أمكنه التكلم بنصف الحروف أربعة عشر وعجز عن النصف علم أن الفائت نصف الكلام فتجب نصف الدية، وإن أمكنه التكلم بثلاثة أرباع منها وذلك أحد وعشرون كان الفائت هو الربع فيجب ربع الدية، وإن أمكنه التكلم بربعها وهو سبعة كان الفائت ثلاثة أرباعه فيلزمه ثلاثة أرباع الدية والأصل في هذا ما روي أن رجلا قطع طرف لسانه في زمن علي رضي الله عنه فأمره أن يقرأ: أ ب ت ث فما قرأ حرفا أسقط من الدية بقدر ذلك وما لم يقرأه أوجب الدية بحساب ذلك وقال بعضهم لا يهجى بجميع حروف المعجم، وإنما يتهجى بالحروف المتعلقة باللسان اللازمة، فإن لم يمكنه التهجي بالنصف كان الفائت نصفا فيلزمه نصف الدية، وإن أمكنه التكلم بالثلث يلزمه ثلثا الدية قالوا والأول أصح. ا هـ. وفي التجريد المعتبر الحروف التي تتعلق باللسان فالهوائية والحلقية والشفوية لا تدخل في القسمة وفي السغناقي الحروف التي تتعلق باللسان وهي الألف والتاء والثاء والجيم والدال والذال والراء والزاي والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء واللام والنون والياء، فإن لم يمكنه إتيان بحرف منها يلزمه حصته من الدية فأما الهوائية والحلقية والشفوية فلا تدخل في القسمة فالشفوية الباء والميم والواو والحلقية الهاء والعين والغين والحاء والخاء والقاف هذا كله في لسان البالغ والكلام في لسان الصبي يأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى، وإذا قطع لسان غيره عمدا ذكر في الأصل أنه لا قصاص بقطع البعض أو قطع الكل وعن أبي يوسف أنه إذا قطع الكل ففيه القصاص وفي شرح الطحاوي، وإذا قطع اللسان أن لا قصاص فيه بالإجماع وفي العيون قال أبو حنيفة في اللسان إذا أمكن القصاص يقتص وفي الظهيرية والفتوى على لا قصاص في اللسان لأنه لا يمكن اعتبار المماثلة فيه لأنه ينقبض وينبسط وفي الواقعات لا قصاص في اللسان، وإن قطع من وسط اللسان أو من طرفه، فإن ادعى ذهاب الكلام يشتغل عنه حتى يسمع كلامه أو لا يسمع وفي لسان الأخرس حكومة عدل وأطلق المؤلف في وجوب الدية في الذكر ولم يفرق بين شاب وشيخ ولا بين مريض وصحيح ولا بين ذكر خصي وعنين ولا بد من بيان ذلك ولو قال ويقطع ذكر يفوت به الإيلاج لكان أولى وفي المحيط وفي ذكر الخصي والعنين حكومة عدل وعن الشافعي كمال الدية قلنا ذكر الخصي والعنين لا يتصور منه الإيلاج بنفسه فلا تجب فيه دية. وفي ذكر المريض دية كاملة لأنه بزوال المرض يعود إلى قوته الكاملة وفي ذكر الشيخ الكبير إن كان لا يتحرك ولا قدرة له على الوطء حكومة عدل، وإن كان يتحرك ويقدر على الوطء دية كاملة وفي قطع الحشفة دية كاملة وفي قطع الذكر المقطوع الحشفة حكومة عدل وفي التجريد وفي الأنثيين كاملة كمال الدية وفيه أيضا وفي قطع الحشفة دية كاملة، فإن جاء بعد ذلك وقطع باقي الذكر قبل تخلل برء تجب دية واحدة كاملة ويجعل كأنه قطع الذكر بدفعة واحدة، وإن تخلل بينهما برء يجب كمال الدية في الحشفة وحكومة العدل في الباقي، وإذا قطع الذكر والأنثيين من الرجل الصحيح خطأ إن بدأ بقطع الذكر ففيه ديتان وفي التجريد وكذا إذا قطعهما من جانب واحد معا ففيه ديتان وفي التحفة وفي الأنثيين إذا قطعهما مع الذكر جملة مرة واحدة في حالة واحدة يجب عليه ديتان دية بإزاء الذكر ودية بإزاء الأنثيين، وإن قطع الذكر أولا ثم الأنثيين يجب ديتان أيضا لأن بقطع الذكر تفوت منفعة الأنثيين وهي إمساك المني فأما إذا قطع الأنثيين أولا ثم الذكر تجب الدية بقطع الأنثيين ويجب بقطع الذكر حكومة العدل وفي الأنثيين إذا قطعهما خطأ كمال الدية وفي الظهيرية وفي أحدهما نصف الدية وقد قدمناه وفي المنتقى عن محمد إذا قطع إحدى أنثييه فانقطع ماؤه دية ونصف ولا يعلم ذهاب الماء إلا بإقرار الجاني. فإن قطع الباقي من إحدى الأنثيين يجب نصف الدية ولم يذكر في الكتاب أنه إذا قطع الأنثيين عمدا هل يجب القصاص والظاهر أنه يجب فيهما القصاص حالة العمد، وإن قطع الحشفة كلها عمدا ففيها القصاص، وإن قطع بعضها فلا قصاص فيه ولو قطع الذكر كله ذكر في الأصل أنه لا قصاص لأنه ينقبض وينبسط فلا يمكن استيفاء القصاص فيه وصار كاللسان وعن أبي يوسف أنه يجب القصاص. قال رحمه الله: (وفي العقل والسمع والبصر والشم والذوق) يعني تجب في كل واحد منهما دية كاملة أما العقل فلأن بذهابه تذهب منافع الأعضاء كلها لأن أفعال المجنون تجري مجرى أفعال البهائم. وأما السمع فلأنه بفواته يفوت جنس المنفعة على الكمال وهو منفعة الاستماع، وأما الشم فلأن بفواته يفوت إدراك الروائح الطيبة والتفرقة بين الرائحة الطيبة والخبيثة، وأما الذوق فلأن بفواته يفوت إدراك الحلاوة والمرارة والحموضة وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قضى لرجل على رجل بأربع ديات بضربة واحدة وقعت على رأسه ذهب بها عقله وسمعه وبصره وكلامه وقال أبو يوسف لا يعرف الذهاب والقول قول الجاني لأنه المنكر ولا يلزمه شيء إلا إذا صدقه أو نكل عن اليمين وقيل ذهاب البصر تعرفه الأطباء فيكون فيه قول رجلين عدلين منهم حجة فيه وقيل يستقبل به الشمس مفتوح العينين، فإذا دمعت عينه علم أنها باقية وإلا فلا وقيل يلقي بين يديه حية، فإن هرب منها علم أنها لم تذهب، وإن لم يهرب فهي ذاهبة وطريق معرفة ذهاب السمع أن يغافل ثم ينادى، فإن أجاب علم أنه لم يذهب وإلا فهو ذاهب وروى إسماعيل بن حماد أن امرأة ادعت أنها لا تسمع وتطارشت في مجلس حكمه فاشتغل بالقضاء عن النظر إليها ثم قال لها فجأة غطي عورتك فاضطربت وتسارعت إلى جمع ثيابها فظهر كذبها. قال رحمه الله: (واللحية إن لم تنبت وشعر الرأس والعينين والأذنين والحاجبين وثديي المرأة الدية وفي كل واحد من هذه الأشياء نصف الدية وفي أجفان العينين الدية وفي أحدهما ربع الدية) يعني إذا حلق اللحية أو شعر الرأس ولم ينبت في كل واحد منهما دية كاملة لأنه أزال جمالا على الكمال وقال مالك والشافعي لا تجب فيها الدية وتجب فيها حكومة عدل لأن ذلك زيادة في الآدمي ولهذا ينمو بعد كمال الخلقة ولهذا تحلق الرأس واللحية وبعضها في بعض البلاد فلا تتعلق به الدية كشعر الصدر والساق إذ لا تتعلق به منفعة ولهذا لا تجب في شعر العبيد نقصان القيمة ولنا قول علي رضي الله عنه في الرأس إذا حلق ولم ينبت الدية كاملة والموقوف في هذا كالمرفوع لأنه من المقادير فلا يهتدى إليه بالرأي لأن اللحية في أوانها جمال فيلزمه كمال الدية كما لو قطع الأذنين الشاخصين والدليل على أنه جمال قوله عليه الصلاة والسلام: «إن لله ملائكة تسبيحهم سبحان من زين الرجال باللحاء والنساء بالقدود والذوائب» بخلاف شعر الصدر والساق لأنه لا يتعلق به الجمال، وأما شعر العبد فقد روى الحسن عن أبي حنيفة أنه يجب عليه كمال القيمة فلا يلزمنا والجواب عن الظاهر أن المقصود من العبد الاستخدام دون الجمال وهو لا يفوت بالحلق بخلاف الحر لأن المقصود منه في حقه الجمال فيجب بفواته كمال الدية وفي الشارب حكومة عدل في الصحيح لأنه تابع للحية فصار طرفا من أطراف اللحية واختلفوا في لحية الكوسج والظاهر أنه إن كان في ذقنه شعرات معدودة فليس في حلقها شيء لأن وجودها يشينه ولا يزينه. وإن كان أكثر من ذلك كان على الخد والذقن جميعا ولكنه غير متصل ففيه حكومة عدل لأن فيه بعض الجمال، وإن كان متصلا ففيه كمال الدية لأنه ليس بكوسج وفي لحيته كمال جمال وهذا كله إذا انسد المنبت، فإن نبت حتى استوى كما كان لا يجب شيء لأنه لم يبق لفعل الجاني أثر في البدن ولكنه يؤدب على ذلك لارتكابه المحرم، وإن نبت أبيض فقد ذكر في النوادر أنه لا يلزمه شيء عند أبي حنيفة في الحر لأن الجمال يزداد ببياض الشعر في اللحية وعندهما تجب حكومة عدل لأن البياض يشينه في غير أوانه فتجب حكومة عدل باعتباره وفي العبد تجب حكومة عدل عندهم لأنه تنتقص به قيمته ويستوي العمد والخطأ في حلق الشعر لأن القصاص لا يجب فيه لأنه عقوبة فلا يثبت فيها قياسا، وإذا ثبت نصا أو دلالة والنص إنما ورد في النفس والجراحات ويؤجل فيه سنة، فإن لم ينبت فيها وجبت الدية ويستوي فيها الصغير والكبير والذكر والأنثى، فإن مات قبل تمام السنة ولم ينبت فلا شيء عليه أما ما يكون مزدوجا في الأعضاء كالعينين واليدين ففي قطعهما كمال الدية وفي قطع أحدهما نصف الدية وأصل ذلك ما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «في العينين الدية وفي أحدهما نصف الدية وفي الرجلين الدية وفي أحدهما نصف الدية» ولأن تفويت اثنين منها تفويت المنفعة أو تفويت الجمال على الكمال. وفي تفويت الرجلين تفويت منفعة المشي وفي تفويت الأنثيين تفويت منفعة الإمناء والنسل وفي ثديي المرأة تفويت منفعة الإرضاع بخلاف ثديي الرجل لأنه ليس فيه تفويت المنفعة ولا الجمال على الكمال فيجب فيه حكومة عدل وفي حلمتي المرأة كمال الدية وفي أحدهما نصف الدية لفوات منفعة الإرضاع وإمساك الصبي لأنها إذا لم يكن لها حلمة يتعذر على الصبي الالتقام عند الإرضاع وقال مالك والشافعي يجب في الحاجبين حكومة عدل بناء على أصلهما لأنهما لا يريان وجوب الدية في الشعر وعندنا يجب فيهما الدية لتفويت الجمال على الكمال، وأما ما يكون من الأعضاء أربعا فهو أشفار العينين ففيها الدية إذا قطعها ولم تنبت وفي أحدهما ربع الدية لأنها يتعلق بها الجمال على الكمال ويتعلق بها دفع الأذى والقذر عن العين وتفويت ذلك ينقص البصر ويورث العمى، فإذا وجب في الكل الدية وهي أربعة وجب في الواحد منها ربع الدية وفي الاثنين نصف الدية وفي الثلاث ثلاث أرباع الدية وقال محمد في أشفار العينين الدية كاملة إذا لم تنبت فأراد به الشعر لأن الشعر هو الذي ينبت دون الجفون وأيهما أريد كان مستقيما لأن في كل واحد من الشعر دية كاملة فلا يختل المعنى ولو قطع الجفون بأهدابها تجب دية واحدة لأن الأشفار مع الجفون كشيء واحد كالمارن مع القصبة والموضحة مع الشعر. وأما ما يكون من الأعضاء أعشارا كالأصابع ففي قطع اليدين أو الرجلين كل الدية وفي قطع واحد منها عشر الدية وفي قطع الجفون التي لا شعر فيها حكومة عدل، وإذا كان الجاني على الأهداب واحدا وعلى الجفون واحدا آخر كان على الذي جنى على الأهداب تمام الدية وعلى الذي جنى على الجفون حكومة عدل وفي الظهيرية ولو حلق نصف اللحية فلم تنبت وحلق ربع الرأس أو نصف الرأس تجب نصف الدية لأنه ما زال الجمال على الكمال لأن الشين إنما يكمل بفوات الكل وقال بعضهم يجب كمال الدية لأن نصف الحلق لا يبقى زينة فتفوت الزينة بالكلية بفوات نصف اللحية ففيه كمال الدية كما لو قطع الشارب وفي لحية العبد حكومة عدل وهو الصحيح لأن المقصود من العبد الخدمة كالجمال لأن لحية العبد جمال من حيث إنه آدمي نقصان من حيث إنه مال لأنه مما يوجب نقصانا في المالية، فإنه لا يساوي غير الملتحي في الجمال فلم يوجد إزالة الجمال على الكمال وروي عن الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أنه تجب كمال الدية لا القيمة لأن الجمال في حقه مقصود أيضا، وإن نبت مكانها أخرى مثل الأولى فلا شيء فيها كما في السن، فإن كانت الأولى سوداء فنبتت مكانها بيضاء ذكر في النوادر أن عند أبي حنيفة في الحر لا يجب شيء وفي العبد حكومة عدل لأن البياض في الشعر مما ينقص من قيمة العبد لأن البياض في غير وقته عيب وشين. قال رحمه الله: (وفي كل إصبع من أصابع اليد أو الرجل عشر الدية وما فيها ثلاث مفاصل ففي أحدها ثلث الدية ونصفها لو فيها مفصلان) يعني ما يكون من الأعضاء أعشارا كالأصابع ففي كل إصبع عشر الدية ولو قطع أصابع اليدين أو الرجلين فعليه كل الدية لقوله عليه الصلاة والسلام: «وفي كل إصبع عشرة من الإبل» وفي قطع الكل تفويت منفعة المشي أو البطش وفيه دية كاملة وهي عشرة فتقسم الدية عليها والأصابع كلها سواء لإطلاق ما روينا و لأن الكل سواء في أصل المنفعة فلا تعتبر الزيادة أما ما فيها ثلاث مفاصل ففي أحدها ثلث دية الإصبع لأنها ثلثها وما فيها مفصلان كالإبهام ففي أحدهما نصف دية الإصبع لأنه نصفها وهو نظير انقسام دية اليد على الأصابع وهو المراد بقوله في المختصر وما فيها ثلاث مفاصل ففي أحدها ثلث دية الإصبع ونصفها لو فيها مفصلان، وإذا قطع الرجل أذن الرجل خطأ فأثبتها المقطوعة أذنه في مكانها فثبتت فعلى القاطع أرش الأذن كاملا قال الشيخ أحمد الطواويسي هذا الجواب غير صحيح لأن الأذن لا يتصور إثباتها بالاحتيال، وإنما تثبت باتصال العروق، فإذا ثبتت فالظاهر أنه اتصل العروق وزالت الجناية فيزول موجبها وفي الكبرى، وإن جذب أذنه فانتزع شحمته فعليه الأرش في ماله دون القصاص لتعذر مراعاة التساوي في القصاص وعن أبي حنيفة فيمن قطع أذن عبد أو أنفه فعليه ما نقصه. قال رحمه الله: (وفي كل سن خمس من الإبل أو خمسمائة درهم) يعني في كل سن نصف عشر الدية وهو خمس من الإبل أو خمسمائة درهم لقوله عليه الصلاة والسلام: «وفي كل سن خمس من الإبل» والأسنان والأضراس سواء وهي كلها سواء لإطلاق ما روينا ولما روي في بعض طرقه والأسنان كلها لأن الكل في أصل المنفعة سواء فلا يعتبر التفاوت فيه كالأيدي والأصابع ولئن كان في بعضها زيادة منفعة ففي الآخر زيادة الجمال فاستويا فزادت دية هذا الطرف على دية النفس ثلاثة أخماس الدية لأن الإنسان له اثنان وثلاثون سنا عشرون ضرسا وأربعة أنياب وأربع ثنايا وأربع ضواحك، فإذا وجب في الواحدة نصف عشر الدية يجب في الكل دية وثلاثة أخماس الدية وذلك ستة عشر ألف درهم هذا إذا كان خطأ، وأما إن كان عمدا ففيه القصاص وقد بيناه من قبل. قولهم: والأسنان والأضراس سواء قال في العناية قالوا فيه نظر والصواب أن يقال والأسنان كلها سواء ويقال والأنياب والأضراس كلها سواء لأن السن اسم جنس يدخل تحته اثنان وثلاثون أربع منها ثنايا وهي الأسنان المتقدمة اثنان فوق واثنان أسفل ومثلها رباعيات وهي ما يلي الثنايا ومثلها أنياب تلي الرباعيات ومثلها ضواحك تلي الأنياب واثني عشر سنا تسمى بالطواحين من كل جانب ثلاث فوق وثلاث أسفل وبعدها سن وهو آخر الأسنان يسمى ضرس الحلم لأنه ينبت بعد البلوغ وقت كمال العقل فلا يصح أن يقال الأسنان والأضراس سواء لعوده إلى معنى أن يقال الأسنان وبعضها سواء. ا هـ. أقول: في هذا النظر مبالغة مردودة حيث قيل في أوله والصواب أن يقال وفيه إشارة إلى أن ما في الكتاب خطأ وقال في آخره فلا يصح أن يقال الأسنان والأضراس سواء وفيه تصريح بعدم صحة ما في الكتاب مع أن تصحيحه على طريق التمام، فإن عطف الخاص على العام طريقة معروفة قد ذكرت مرتبة في علم البلاغة وله أمثلة كثيرة في التنزيل قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} ومنها قوله تعالى: {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال} فجاز أن يكون ما نحن فيه من قبيل ذلك ويعود حاصل معناه إلى أنه يقال الأضراس وما عداها من الأسنان سواء، فإنه إذا عطف الخاص على العام يراد بالمعطوف عليه ما عدا المعطوف من أفراد العام كما صرحوا به فلا يلزم المحذوف ثم إن قوله أو يقال والأنياب والأضراس كلها سواء مثل ما ذكر في الإيراد على ما في الكتاب فلا معنى لأن يكون ذلك صوابا دون ما في الكتاب نعم الأظهر في إفادة المراد هاهنا أن يقال والأسنان كلها سواء على ما جاء به لفظ الحديث أو أن يقال في الأضراس والثنايا كلها سواء بالجمع بين النوعين كما ذكر في المبسوط. قال رحمه الله: (وكل عضو ذهب منفعته ففيه دية كيد شلت وعين ذهب ضوءها) أي إذا ضرب عضوا فذهب نفعه بضربه ففيه دية كاملة كما إذا ضرب يده فشلت به أو عينه فذهب ضوءها لأن وجوب الدية يتعلق بتفويت جنس المنفعة، فإذا زالت منفعته كلها وجب عليه أرش موجبه كله ولا عبرة للصورة بدون المنفعة لكونها تابعة فلا يكون لها حصة من الأرش إلا إذا تجردت عند الإتلاف بأن أتلف عضوا ذهب منفعته فحينئذ يجب فيه حكومة عدل إن لم يكن فيه جمال كاليد الشلاء أو أرشه كاملا إن كان فيه جمال كالأذن الشاخصة فلا يلزم من اعتبار الصورة والجمال عند انفراده عن المنفعة اعتبارهما معا بل يكون تبعا لها فيكون المنظر إليه هي المنفعة فقط عند الاجتماع وكم من شيء يكون تبعا لغيره عند الإتلاف فلا يكون له أرش ثم إذا انفرد عند الإتلاف يكون له أرش ألا ترى أن الأعضاء كلها تبع للنفس فلا يكون لها أرش إذا تلفت معها، وإذا انفردت بالإتلاف كان لها أرش ومن ضرب صلب رجل فانقطع ماؤه تجب الدية لأن فيه تفويت منفعة الجمال على الكمال لأن جمال الآدمي في كونه منتصب القامة وقيل هو المراد بقوله تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} ولو زالت الحدوبة فلا شيء عليه لزوالها لا عن أثر ولو بقي أثر الضربة ففيه حكومة عدل لبقاء الشين ببقاء أثرها والله أعلم. الشجاج عشرة الخارصة وهي التي تخرص الجلد أي تخدشه ولا تخرج الدم مأخوذة من خرص القصار الثوب إذا شقه في الدق والدامعة بالعين المهملة مأخوذة من الدمع سميت بها لأن الدم يخرج منها بقدر الدمع من القلة وقيل لأن عينيه تدمع بسبب ألم يحصل له منها وفي المحيط الدامعة هي التي يخرج منها ما يشبه الدمع مأخوذة من دمع العين والدامية وهي التي يسيل منها الدم وذكر المرغيناني أن الدامية هي التي تدمي من غير أن يسيل منها دم هو الصحيح يروى عن أبي عبيد والدامعة وهي التي يسيل منها الدم كدمع العين ومن قال: إن صاحبها تدمع عيناه من الألم فقد أبعد والباضعة وهي التي تبضع الجلد أي تقطعه مأخوذة من البضع وهو الشق والقطع ومنه مبضع الفصاد أقول: في تفسير الباضعة بما ذكره الشارح فتور، وإن تابعه صاحب الكافي وكثير من المتأخرين فيه لأن قطع الجلد متحقق في الصورة الأولى منها لا سيما في الدامعة والدامية إذ الظاهر أن شيئا من إظهار الدم وأصالته لا يتصور بدون قطع الجلد وقد صرح الشراح بتحقق قطع الجلد في كل الأنواع العشرة للشجة فكان التفسير المذكور شاملا للكل غير مختص بالباضعة فالظاهر في تفسير الباضعة هو ما ذكر في المحيط والبدائع حيث قال في المحيط ثم الباضعة وهي تبضع اللحم أي تقطعه وقال في البدائع والباضعة هي التي تبضع اللحم أي تقطعه. ا هـ. ويعضد ذلك ما وقع في معتبرات كتب اللغة قال في المغرب وفي الشجاج الباضعة وهي التي جرحت الجلد وشقت اللحم. ا هـ. وقال في الصحاح الباضعة الشجة التي تقطع الجلد وتشق اللحم وتدمي إلا أنها لا تسيل الدم وقال في القاموس والباضعة الشجة التي تقطع الجلد وتشق اللحم شقا خفيفا وتدمي إلا أنها لا تسيل الدم. ا هـ. لا يقال فعلى هذا يلزم تشبيه الباضعة بالمتلاحمة، فإنهم قالوا والمتلاحمة هي التي تأخذ في اللحم وهذا في المآل غير ما نقلته عن المحيط والبدائع في تفسير الباضعة لأنا نقول من فسر الباضعة بما قلنا من المعنى الظاهر لا يقول بتفسير المتلاحمة بما ذكر حتى يلزم الاشتباه بل يزيد عليه قيدا وعن هذا قال في المحيط ثم الباضعة وهي التي تبضع اللحم أي تقطعه قال شيخ الإسلام ولا تنزع شيئا من اللحم ثم المتلاحمة وهي التي تقطع اللحم وتنزع شيئا من اللحم إلى هنا لفظ المحيط وقال في البدائع والباضعة وهي التي تبضع اللحم أي تقطعه والمتلاحمة هي التي تذهب في اللحم أكثر مما تذهب الباضعة فيه وقال في المغرب والمتلاحمة من الشجاج هي التي تشق اللحم دون العظم ثم تتلاحم بعد شقها أي تتلاءم. ا هـ. وقال في الصحاح والمتلاحمة الشجة التي أخذت في اللحم دون العظم ثم تتلاحم ولم تبلغ السمحاق. ا هـ. وقال في القاموس وشجة متلاحمة أخذت فيه ولم تبلغ السمحاق والمتلاحم وهي التي تأخذ في اللحم كله ثم تتلاحم بعد ذلك أي تلتئم وتتلاصق سميت بذلك تفاؤلا على ما يئول إليه وروي عن محمد أن المتلاحمة قبل الباضعة لأن المتلاحمة من قولهم التحم الشيئان إذا اتصل أحدهما بالآخر فالمتلاحمة هي التي تظهر اللحم ولا تقطعه والباضعة بعدها لأنها تقطعه وفي ظاهر الرواية والمتلاحمة تعمل في قطع أكثر اللحم وهي بعد الباضعة وقال الأزهري الأوجه أن يقال المتلاحمة أي القاطعة للحم والاختلاف الذي وجد في الشجاج راجع إلى مأخذ الاشتقاق لا إلى الحكم والسمحاق وهي التي تصل إلى السمحاق وهي الجلدة الرقيقة التي بين اللحم وعظم الرأس والموضحة وهي التي توضح العظم أي تبينه والهاشمة وهي التي تهشم العظم والمنقلة وهي التي تنقل العظم بعد الكسر أي تحوله والآمة وهي التي تصل إلى أم الدماغ وأم الدماغ هي الجلدة الرقيقة التي تجمع الدماغ وبعد الآمة شجة تسمى الدامغة بالغين المعجمة وهي التي تصل إلى الدماغ لم يذكرها محمد لأن النفس لا تبقى بعدها عادة فتكون قتلا ولا تكون من الشجاج والكلام في الشجاج ولذا لم يذكر الخارصة والدامغة لأنها لا يبقى لها في الغالب أثر. هذه الشجاج تختص بالرأس والوجه وما كان في غيرهما يسمى جراحة فهذا هو الحقيقة والحكم يترتب على الحقيقة فلا يجب بالجراحة ما يجب بالشجة من المقدار لأن التقدير بالنقل وهو إنما ورد في الشجاج وهي تختص بالرأس والوجه فخص الحكم المقدم بها ولا يجوز إلحاق الجراحة بها دلالة ولا قياسا لأنها ليست في معناها في الشين لأن الوجه والرأس يظهران في الغالب وغيرهما مستور غالبا لا يظهر واختلفوا في اللحيين فعندهما في الوجه فيتحقق الشجاج فيهما فيجب فيها موجبها خلافا لما يقول مالك رحمه الله، فإنه يقول: إنهما ليسا من الوجه لأن المواجهة لا تقع بهما ونحن نقول هما متصلان بالوجه من غير فاصل ويتحقق معنى المواجهة فصارا كالذقن لأنهما تحتها وقال شيخ الإسلام ويجب أن يفرض غسلهما في الوضوء لأنهما من الوجه حقيقة إلا أنا تركناهما للإجماع ولا إجماع هنا فبقينا العبرة للحقيقة وفي المبسوط الشجاج في الرأس والوجه أحد عشر أولها الخارصة وهي تشق الجلد مأخوذة من قولهم خرص القصار الثوب إذا شقه من الدق ثم الدامعة وهي التي يخرج منها ما يشبه الدمع مأخوذة من دمع العين ولم يذكرها محمد لأنها لم يبق لها أثر في الغالب ثم الدامية وهي التي يخرج منها الدم ثم الباضعة وهي التي تبضع اللحم ثم المتلاحمة. وعن محمد أنه جعل المتلاحمة قبل الباضعة خلافا لأبي يوسف وتفسيرها عند أبي يوسف التي تقشر الجلد وتجمع اللحم في موضع الجراحة ولا تقطعه مأخوذة من التحام يقال التحم الجيشان إذا اجتمعا ثم السمحاق وهي التي تصل إلى جلدة رقيقة فوق العظم تسمى السمحاق ثم الموضحة وهي التي توضح العظم واللحم ثم الهاشمة وهي التي تهشم العظم ثم المنقلة التي يخرج منها العظم لأنها تكسر العظم وتنقله عن موضعه ثم الآمة التي تصل إلى أم الرأس وهي الجلدة التي فوق الدماغ ثم الدامغة التي تخرق الجلد وتصل إلى الدماغ ولم يذكرها محمد لأن الإنسان لا يعيش معها، وأما أحكامها، فإن كانت هذه الشجاج عمدا ففي الموضحة القصاص لأن السكين ينتهي إلى العظم ولا يخاف منه الهلاك غالبا فيجب القصاص لقوله تعالى: {والجروح قصاص} وذكر الكرخي عنه أنه ليس في شيء من الشجاج إلا في القصاص والموضحة وليس لهذه الشجاج أروش مقدرة وموجب هذه الشجاج لا يتحمله العاقلة، فإن كانت هذه الشجاج خطأ ففيما قبل الموضحة حكومة عدل لأنه ليس لها أرش مقدر وفي الموضحة خمس من الإبل وفي الهاشمة عشر من الإبل. وفي المنقلة خمسة عشرة وفي الآمة ثلث الدية هكذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كتب إلى حزم حين بعثه إلى اليمن وذكر فيه أن في النفس مائة من الإبل وفي الأنف الدية وفي الشفتين الدية وفي اللسان الدية وفي العينين الدية وفي الصلب الدية وفي الذكر الدية وفي الأنثيين الدية وفي الرجل نصف الدية وفي الآمة ثلث الدية وفي الجائفة ثلث الدية وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل وفي الموضحة خمس من الإبل هكذا رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفي النوادر رجل أصلع ذهب شعره شجه إنسان موضحة عمدا قال محمد لا يقتص وعليه الأرش؛ لأنه أقل من موضحة؛ لأن المساواة معتبرة في تناول الأطراف ولا مساواة؛ لأن الموضحة في أحدهما مؤثرة في الجلد واللحم فتعذر مراعاة المساواة وصار كصحيح اليد إذا قطع يد الأشل لا يقطع فكذا هذا. وإن قال الشارح رضيت أن يقتص مني ليس له ذلك؛ لأن الجناية إذا لم توجب القصاص لا يوجب الاستيفاء بالرضا، وإن كان الشاج أيضا أصلع عليه القصاص؛ لأن اعتبار المساواة ممكن فصار كالأشل إذا قطع يد الأشل، وإن لم يبق للجراحة أثر فعند أبي حنيفة وأبي يوسف لا شيء عليه وعند محمد يلزمه قدر ما أنفق عليه إلى أن يبرأ؛ لأنه بجنايته اضطر إلى الإنفاق على الجراحة خوفا من السراية فكان الزوال مضافا إلى جنايته لهما أنه كان مختارا في الإنفاق ولم يكن مضطرا فيه؛ لأن لحوق السراية لا يثبت الاضطرار؛ لأن السراية موهومة فلا يثبت الاضطرار بالوهم والارتياب فلم يصر مفوتا لشيء من المال ولا من المنفعة والجمال فلا يضمن كما لو لطمه فآلمه. قال رحمه الله: (وفي الموضحة نصف عشر الدية وفي الهاشمة عشرها وفي المنقلة عشر ونصف عشر وفي الآمة والجائفة ثلثها، فإن نفذ من الجائفة فثلثاها) لما روي وقد قدمناه ولأنها إذا نفذت صارت جائفتين فيجب في كل واحدة منهما الثلث وهو يكون في الرأس والبطن قوله جائفة قال في الإيضاح الجائفة ما يصل إلى الجوف من الصدر والبطن والظهر والجنب وما وصل من الرقبة إلى الموضع الذي وصل إليه الشراب وما فوق ذلك فليس بجائفة قال في النهاية ومعراج الدراية بعد نقل ذلك فعلى هذا ذكر الجائفة هنا في مسائل الشجاج وقع اتفاقا وكذا في العناية نقلا عن النهاية أقول: نعم على ما ذكر في الإيضاح يكون الأمر كذلك إلا أن غيره تداركه قال فيما بعد وقالوا الجائفة تختص بالجوف وجوف الرأس أو جوف البطن يعني أنها لما تناولت ما في جوف الرأس أيضا كانت من الشجاج فيما إذا وقعت في الرأس فتدخل في مسائل الشجاج باعتبار ذلك فلا يكون ذكرها في فصل الشجاج فيما وقع اتفاقا بخلاف سائر الشجاج، فإنه حيث لا يكون إلا في الرأس والوجه وقيل لا تتحقق الجائفة فيما فوق الحلق. قال رحمه الله: (وفي الخارصة والدامعة والدامية والباضعة والمتلاحمة والسمحاق حكومة عدل)؛ لأن هذه ليس فيها أرش مقدر من جهة الشرع ولا يمكن إهدارها فيجب فيها حكومة عدل وهو مأثور عن إبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز واختلفوا في تفسير هذه الحكومة قال الطحاوي تفسيرها أن يقوم مملوكا بدون هذا الأثر ثم يقوم وبه هذا الأثر ثم ينظر إلى تفاوت ما بينهما، فإن كان ثلث عشر القيمة مثلا يجب ثلث عشر الدية، وإن كان ربع عشر القيمة يجب ربع عشر الدية وقال الكرخي ينظر كم مقدار هذه الشجة من الموضحة فيجب بقدر ذلك من نصف عشر الدية؛ لأن ما لا نص فيه يرد إلى المنصوص عليه وكان الكرخي رحمه الله يقول ما ذكره الطحاوي ليس بصحيح؛ لأنه اعتبر ذلك الطريق فربما يكون نقصان القيمة أكثر من نصف الدية فيؤدي إلى أن يوجب في هذه الشجاج وهو دون الموضحة أكثر مما أوجبه الشرع في الموضحة وأنه محال بل الصحيح الاعتبار بالمقدار وقال الصدر الشهيد ينظر المفتي في هذا إن أمكنه الفتوى بالثاني بأن كانت الجناية في الرأس والوجه يفتي بالثاني، وإن لم يتيسر عليه ذلك يفتي بالقول الأول؛ لأنه الأيسر قال وكان المرغيناني يفتي به وقال في المحيط والأصح أنه ينظر كم مقدار هذه الشجة من أقل شجة لها أرش مقدر، فإن كان مقداره مثل نصف شجة لها أرش أو ثلثها وجب نصف أو ثلث أرش تلك الشجة، وإن ربعا فربع ذكره بعد ذكر القولين فكأنه جعله قولا ثالثا والأشبه أن يكون هذا تفسيرا لقول الكرخي وقال شيخ الإسلام: وقول الكرخي أصح؛ لأن عليا اعتبره بهذا الطريق فيمن قطع طرف لسانه على ما بيناه. قال رحمه الله: (ولا قصاص في غير الموضحة)؛ لأنه لا يمكن اعتبار المساواة فيه؛ لأن ما دون الموضحة ليس له حد ينتهي إليه السكين وما فوقها كسر العظم ولا قصاص فيه لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا قصاص في العظم» وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله وفي ظاهر الرواية يجب القصاص فيما دون الموضحة ذكره محمد رحمه الله في الأصل وهو الأصح؛ لأنه ممكن فيه اعتبار المساواة فيه إذ ليس فيه كسر العظم ولا خوف التلف فيستر قدرها اعتبارا ثم يتخذ حديدة بقدر ذلك فيقطع بها مقدار ما قطع فيتحقق استيفاء القصاص بذلك وفي الموضحة القصاص إن كانت عمدا لما روي أنه عليه الصلاة والسلام: «قضى بالقصاص في الموضحة»؛ لأن المساواة فيها ممكنة بانتهاء السكين إلى العظم فيتحقق استيفاء القصاص. قال رحمه الله: (وفي أصابع اليد نصف الدية) أي أصابع اليد الواحدة؛ لأن في كل إصبع عشرة من الإبل لما روينا فيكون في الخمسة خمسون ضرورة وهو النصف ولأن بقطع الأصابع تفوت منفعة البطش وهو الموجب على ما مر أقول: لقائل أن يقول لمن ذكر فيما مر أن في كل إصبع من أصابع اليدين والرجلين عشر الدية كان ذكر هذه المسألة هنا مستدركا إذ لا شك أن خمسة أعشار الدية نصف الدية وعلم قطعا مما مر أن في أصابع اليد الواحدة وهي خمس أصابع نصف الدية ولو لم يكن الاستلزام والاقتضاء في حصول العلم بمثله بل كان لا بد فيه من التصريح بها للزم أن يذكر أيضا أن في الإصبعين عشري الدية وفي ثلاث أصابع ثلاثة أعشار الدية وفي أربعة أصابع أربعة أعشار الدية إلى غير ذلك من المسائل المتروك ذكرها صراحة في الكتاب ويمكن الجواب عنه بأن ذكر هذه المسألة هنا ليس ببيان نفسها أصالة حتى يتوهم الاستدراك بل ليكون ذكرها توطئة للمسألة المعاقبة إياها وهي قوله: فإن قطعها مع الكف ففيه أيضا نصف الدية فالمقصود في البيان هنا أن قطع الأصابع وحدها وقطعها مع الكف سيان في الحكم وعن هذا قال في الوقاية في هذا المقام وفي أصابع يد بلا كف ومعها نصف الدية قال رحمه الله: (ولو مع الكف) هذا متصل بما قبله أي في أصابع اليد نصف الدية، وإن قطعها مع الكف ولا يزيد الأرش بسبب الكف؛ لأن الكف سبب للأصابع في حق البطش، فإن قوة البطش بها وقال عليه الصلاة والسلام: «في اليدين الدية وفي أحدهما نصف الدية» واليد اسم لجارحة يقع بها البطش؛ لأن اسم اليد يدل على القدرة والقوة والبطش يقع بالأصابع والكف فيجب فيها دية واحدة؛ لأن منفعتها جنس واحد فيكون الكف تبعا للأصابع. قال رحمه الله: (ومع نصف الساعد نصف الدية وحكومة) عدل نصف الدية في الكف والأصابع والحكومة في نصف الساعد وهو قول أبي حنيفة ومحمد وهو رواية عن أبي يوسف وعنه ما زاد على الأصابع من اليدين والرجلين من أصل الساعد والفخذ هو تبع فلا يزيد على الدية؛ لأن الشارع أوجب في الواحدة منهما نصف الدية واليد اسم لهذه الجارحة إلى المنكب والرجل إلى الفخذ فلا يزيد على تقدير الشارع ولأن الساعد ليس له أرش مقدر فيه كالكف ووجه الظاهر أن اليد اسم لآلة باطشة، ووجوب الأرش باعتبار منفعة البطش وكذا في الأرش ولا يقع البطش بالساعد أصلا ولا تبعا فلا يدخل في أرشه وقال بعض الشراح ولهما أن اليد آلة باطشة والبطش يتعلق بالكف والأصابع دون الذراع أقول: لقائل أن يقول الظاهر من هذا الكلام أن يكون لكل واحد من الكف والأصابع مدخل في البطش ومدلول قوله فيما قبل ولأن الكف تبع للأصابع؛ لأن البطش بها أن يكون الباطش هو الأصابع لا غير فبين كلاميه في الموضعين نوع تدافع وكأن صاحب الكافي تفطن له حيث غير تحريره هاهنا فقال لها: إن أرش اليد إنما يجب باعتبار أنه آلة باطشة والأصل في البطش الأصابع والكف تبع لها أما الساعد فلا يتبعها؛ لأنه غير متصل بها فلم يجعل تبعا لها في حق التضمين. ا هـ. ثم أقول: يمكن التوفيق بين كلاميه أيضا بنوع عناية وهو أن يقدر المضاف في قوله فيما قبل؛ لأن البطش بها فلا ينافي أن يكون بالكف أيضا بطش في الجملة بالتبعية فيرتفع التدافع ولأنه لو جعل تبعا لا يخلو إما أن يجعل تبعا للأصابع أو الكف ولا وجه إلى الأول لوقوع الفصل بينهما بالكف ولا إلى الثاني؛ لأن الكف تبع للأصابع ولا تبع للتبع ولا نسلم اليد اسم لهذه الجارحة إلى المنكب بل هي اسم إلى الزند إذا ذكرت في موضع القطع بدليل آية السرقة. قال رحمه الله: (وفي قطع الكف وفيها إصبع أو إصبعان عشرها أو خمسها ولا شيء في الكف) أي إذا كان في الكف إصبع أو إصبعان فقطعهما يجب عشر الدية في الإصبع الواحدة وخمسها في إصبعين: ولا يجب في الكف شيء وهذا عند أبي حنيفة وقالا ينظر إلى أرش الكف وإلى أرش ما فيها من الأصابع فيجب أكثرها ويدخل القليل في الكثير؛ لأن الجمع بين الأرشين متعذر إجماعا؛ لأن الكل شيء واحد؛ لأن ضمان الأصابع هو ضمان الكف وضمان الكف فيه ضمان الإصبع وكذا إهدار أحدهما متعذر أيضا؛ لأن كل واحد منهما أصل من وجه أما الكف فلأن الأصابع قائمة به، وأما الأصابع فلأنها هي الأصل في منفعة البطش، فإذا كان واحد منهما أصلا من وجه ورجحنا بالكثرة كما قلنا فيمن شج رأس إنسان وتناثر بعض شعر رأسه يدخل القليل في الكثير ولأبي حنيفة رحمه الله أن الأصابع أصل حقيقة؛ لأن منفعة اليد وهي البطش والقبض والبسط قائمة بها وكذا حكما؛ لأنه عليه الصلاة والسلام جعل اليد بمقابلة الأصابع حيث أوجب في اليد نصف الدية ثم جعل في كل إصبع عشرا من الإبل ومن ضرورته أن تكون كلها بمقابلة الأصابع دون الكف والأصل أولى بالاعتبار، وإن قل ولا يظهر التتابع بمقابلة الأصل فلا يعارض حتى يصار إلى الترجيح بالكثرة ولئن تعارضا فالترجيح بالأصل حقيقة وحكما أولى من الترجيح بالكثرة ألا ترى أن الصغار إذا اختلطت مع الكبار تجب فيها الزكاة تبعا، وإن كان الصغار أكثر ترجيحا للأصل بخلاف ما استشهد به من الشجة؛ لأن أحدهما ليس بتبع للآخر وروى الحسن عنه أن الباقي إذا كان دون الإصبع يعتبر أكثرهما إرشادا؛ لأن أرش ما دون الإصبع غير منصوص عليه، وإنما يثبت باعتباره بالمنصوص عليه بنوع اجتهاد وكونه أصلا باعتبار النص، فإذا لم يرد النص بأرش مفصل ولا مفصلين اعتبرنا فيه الكثرة والأول أصح؛ لأن أرشه ثبت بالإجماع وهو كالنص ولو لم يبق في الكف إصبع غير منصوص عليه يجب عليه حكومة عدل لا يبلغ بها أرش الأصابع ولا يجب فيه الأرش بالإجماع؛ لأن الأصابع أصل على ما بينا وللأكثر حكم الكل فاستتبعت الكف كما إذا كانت كلها قائمة قوله وفي قطع الكف إلخ لا يخفى أنه مكرر مع قوله وفي كل إصبع عشر الدية وقوله ولا شيء في الكف إلخ لا يخفى أنه مكرر مع قوله ولو مع الكف؛ لأنه إذا علم أن الكف لا شيء فيه مع كل الأصابع علم بالأولى مع بعضها. قال رحمه الله: (وفي الإصبع الزائدة وعين الصبي وذكره ولسانه إن لم يعرف صحته بنظر وحركة وكلام حكومة) عدل أما الإصبع الزائدة فلأنها جزء الآدمي فيجب الأرش فيها تشريفا له، وإن لم يكن فيها نفع ولا زينة كما في السن الزائدة ولا يجب فيها القصاص، وإن كان المقطوع إصبعا زائدة ولأن المساواة شرط لوجوب القصاص في الطرف ولم يعلم تساويهما إلا بالظن فصار كالعبد يقطع طرف العبد، وإن تعذر القصاص للشبهة وجب أرشها وليس لها أرش مقدر في الشرع فيجب فيها حكومة عدل بخلاف لحية الكوسج حيث لا يجب فيها شيء؛ لأن اللحية لا يبقى فيها أثر الحلق فلا يلحقه الشين بل ببقاء الشعرات يلحقه ذلك فيكون نظير من قلم ظفر غيره بغير إذنه وفي قطع الإصبع الزائدة يبقى أثر ويشينه ذلك فيجب الأرش، وأما عين الصبي وذكره ولسانه فلأن المقصود من هذه الأشياء المنفعة، فإذا لم يعلم صحتها لا يجب أرشها كاملا بالشك بخلاف المارن والأذن الشاخصة؛ لأن المقصود منها الجمال وقد فوته وتعرف الصحة باللسان في الكلام وفي الذكر بالحركة وفي العين بما يستدل به على الرؤية وهو المراد بقوله إن لم تعرف صحته بنظر وحركة وكلام فيكون بعد معرفة صحة ذلك حكمه حكم البالغ في الخطأ والعمد إذا ثبت ذلك بالبينة أو بإقرار الجاني، فإن أنكر ولم يقم به بينة فالقول قول الجاني وكذا إذا قال لا أعرف صحته لا يجب عليه الأرش كاملا إلا بالبينة وقال الشافعي تجب الدية كاملة كيفما كان؛ لأن الغالب فيه الصحة فأشبه الأذن والمارن قلنا الظاهر لا يصلح للاستحقاق، وإنما يصلح للدفع وحاجتنا الاستحقاق وقد ذكرنا الفرق بين هذه الأشياء وبين الأذن والأنف. قال رحمه الله: (ومن شج رجلا موضحة فذهب عقله أو شعر رأسه دخل أرش الموضحة في الدية) فصار كما إذا أوضحه فمات؛ لأن تفويت العقل يبطل منفعة جميع الأعضاء قيد بالموضحة؛ لأنه لو قطع يده فذهب عقله لا يدخل كما سيأتي أقول: فيه نظر إذ لو كان فوات العقل بمنزلة الموت وكان هذا مدار دخول أرش الموضحة في الدية لما تم ما سبق في فصل فيما دون النفس من أنه روي أن عمر رضي الله عنه قضى بأربع ديات في ضربة واحدة ذهب فيها العقل والكلام والسمع والبصر، فإنهم صرحوا بأنه لو مات من الشجة لم يكن فيه إلا دية واحدة فيتأمل وأرش الموضحة يجب بفوات جزء من الشعر حتى لو لم ينبت تجب الدية بفوات كل الشعر قال صاحب النهاية أي لو نبت الشعر والتأمت الشجة فصار كما كان لا يجب شيء فثبت بهذا أن وجوب أرش الموضحة بسبب فوات الشعر. ا هـ. وقال صاحب العناية قوله وأرش الموضحة تجب بفوات جزء من الشعر لبيان الجزئية قوله حتى لو نبت يعني الشعر يسقط يعني أرش الموضحة لبيان أن الأرش يجب بالفوات كذا في النهاية وليس بمفتقر إليه لكونه معلوما. ا هـ. أقول: إن قوله وليس بمفتقر إليه لكونه معلوما ليس بشيء إذ لا ريب أن كون وجوب أرش الموضحة بفوات جزء من الشعر لا بمجرد تفريق الاتصال والإيلام الشديد أمر خفي جدا غير معلوم بدون البيان والإعلام إذا كان الظاهر المتبادر مما ذكره في فصل الشجاج إذ لا يشترط في وجوب أرش الموضحة فوات جزء من الشعر بالكلية بأن لا ينبت من بعد أصلا، فإنهم قالوا الموضحة من الشجاج هي التي توضح العظم أي تبينه ثم بينوا حكمها بأنه القصاص إن كانت عمدا ونصف عشر الدية إن كانت خطأ ولا شك أن اسم الموضحة وحدها المذكورة يتحققان فيما نبت فيه الشعر أيضا فكان اشتراط أن لا ينبت الشعر بعد البرء أصلا في وجوب أرشها أمرا خفيا محتاجا إلى البيان بل إلى البرهان ولهذا قالوا وأرش الموضحة يجب بفوات جزء من الشعر حتى لو نبت يسقط وقال في الكافي وأرش الموضحة باعتبار ذهاب الشعر ولهذا لو نبت الشعر على ذلك الموضع واستوى لا يجب شيء وقال في المبسوط وجوب أرش الموضحة باعتبار ذهاب الشعر بدليل أنه لو نبت الشعر على ذلك الموضع فاستوى كما كان لا يجب شيء إلى غير ذلك من البيانات الواقعة من الثقات وقد تعلقا بسبب واحد وهو فوات الشعر فيدخل الجزء في الجملة فصار كما إذا قطع إصبع رجل فشلت يده كلها فحاصله أن الجناية متى وقعت على عضو وأتلفت شيئين وأرش أحدهما أكثر دخل الأقل فيه. ولا فرق في هذا بين أن تكون الجناية عمدا أو خطأ، فإن وقعت على عضوين لا يدخل ويجب لكل واحد منهما أرشه سواء كان عمدا أو خطأ عند أبي حنيفة لسقوط القصاص به عنده وعندهما يجب للأول القصاص إن كان عمدا وأمكن الاستيفاء وإلا فكما قال أبو حنيفة وقال زفر لا يدخل أرش الأعضاء بعضهما في بعض؛ لأن كلا منهما جناية فيما دون النفس فلا يتداخلان كسائر الجنايات وجوابه ما بيناه وفي المبسوط أصله أن الجنايات متى وقعت على عضو واحد وأتلفت شيئين وأرش أحدهما أكثر، فإنه يدخل فيه الأقل في الأكثر أصله في الموضحة متى كانت في الرأس لا بد أن يتناثر الشعر مقدار الموضحة وتناثر الشعر مقدار الموضحة يوجب الأرش، والنبي صلى الله عليه وسلم أوجب في الموضحة خمسا من الإبل ولم يوجب في تناثر الشعر شيئا فعلم أن أرش ما تناثر من الشعر وهو أقل من أرش الموضحة دخل في أرش الموضحة وكذلك إن كانت الجناية على عضو واحد وأتلفت شيئين أحدهما يوجب القصاص والآخر يوجب المال، فإنه يجب المال وأصله الخاطئ مع العامد متى اشتركا في قتل واحد يجب المال، وإن وقعت الجناية على عضوين أحدهما يوجب القود والآخر يوجب المال إن كان خطأ لا يدخل أرش الأقل في الأكثر؛ لأنه لم يكن في معنى ما ورد به النص على قضية القياس، وإن كان عمدا يجب المال عند أبي حنيفة وعندهما القصاص لما يأتي ولو شجه موضحة فذهب شعر رأسه فلم ينبت غرم الدية ويدخل فيها أرش الموضحة؛ لأن الجناية وقعت على عضو واحد؛ لأن الجناية وقعت على الرأس والشعر بالرأس. ولو ذهب بعض الشعر دخل الأقل في الأكثر وكذلك لو كانت الموضحة في الحاجب وقد ذهب شعر الحاجب ولو ذهب سمعه وبصره فلا يخلو إن كانت الشجة خطأ أو عمدا، فإن كانت خطأ لا يدخل أرش الموضحة في دية السمع والبصر بل يجب كلاهما وروي عن أبي يوسف في النوادر أنه قال يدخل أرش الشجة في دية السمع ولا يدخل في دية البصر؛ لأن محل السمع الأذنان والأذنان من الرأس حكما لقوله عليه الصلاة والسلام: «الأذنان من الرأس» فصارت الجناية واقعة على عضو واحد وأتلفت شيئين فيدخل الأقل في الأكثر، وجه ظاهر الرواية أن الجناية وقعت على عضوين؛ لأن الأذنين ليستا من الرأس حقيقة وحكما ولكنهما جعلا من الرأس في حق حكم كل الأحكام حتى لو اقتصر على المسح على الأذنين لم يجز عن مسح الرأس فيتيقن أن الأذنين مع الرأس عضوان مختلفان متباينان في حق الجناية فلا يدخل أرش أحدهما في الآخر، وإن ذهب عقله بالشجة يدخل أرش الموضحة في دية العقل خلافا لزفر والشافعي والحسن؛ لأن الجناية وقعت على عضوين مختلفين، فإن محل الشجة الرأس ومحل العقل الصدر فكان كالسمع والبصر والصحيح قولنا؛ لأن الجناية وقعت على عضو واحد معنى؛ لأن العقل وإن كان نورا وجوهرا مضيئا في الصدر يبصر به الإنسان عواقب الأمور وحسن الأشياء وقبحها إلا أن الدماغ كالفتيلة لهذا النور يقوى ويضعف بقوة الدماغ وضعفه ويزول ويذهب بفساد الدماغ فإن كان العقل بهذا الاعتبار لتعلقه بالدماغ بقاء وذهابا فكانت الجناية واقعة على عضو واحد وقد أتلفت شيئين فيدخل الأقل في الأكثر، وأما البصر، فإنه ينظر إليه أهل العلم، فإن قالوا بذهابه وجبت الدية، وإن قالوا لا ندري تعتبر الدعوى والإنكار والقول قول الضارب؛ لأنه منكر، وأما الشم فيختبر بالرائحة الكريهة المنتنة، فإن ظهر فيه تغير علم أنه كاذب هذا كله إذا كان خطأ، فإن كانت الشجة موضحة عمدا فذهب سمعه وبصره أو قطع إصبعا فتلفت الأخرى بجنبها أو قطع اليمين فشلت اليسرى تجب دية السمع والبصر ويجب أرش الإصبعين واليدين في ماله ولا يقتص عند أبي حنيفة وعندهما يقتص في الشجة والقطع ويغرم دية أخرى في ماله ولو شجه موضحة فصارت منقلة أو كسر بعض سنه فاسود ما بقي أو قطع مفصلا فشل ما بقي ضمن الأرش عندهما ولا يقتص لهما أنهما لاقتا محلين متباينين، فإن الفعل لا يعرف إلا بالأثر فيتقدر بتقدر الأثر ألا ترى أن من رمى إلى إنسان فأصابه ونفذ منه فأصاب آخر، فإنه يجب القصاص للأول والدية للثاني وكذا إذا قطع إصبعا فاضطرب السكين فأصاب إصبعا أخرى خطأ يقتص في الأولى ويجب الأرش في الثانية، وإذا صارت الجناية بمنزلة الجنايتين ثم تعذرت الشبهة في أحدهما إلى الأخرى له أن السراية لا تنفصل إلى الجناية؛ لأن أثر الجناية لا ينفصل عنها فيكون الفعل معدا له أثران في محلين في شخص واحد ويتصور سراية الجناية إلى جميع البدن فيتصور سرايتها، فإذا لم يكن آخر الفعل موجبا للقصاص لا يكون أوله موجبا بخلاف المستشهد بهما؛ لأن أحدهما ليس من سراية الأخرى؛ لأنه لا يتصور سراية الفعل من شخص إلى شخص فاختلف الفعل باختلاف المحلين في شخصين ولو قطع إصبعا فسقطت أخرى إلى جنبها لم يجب القصاص فيهما عند أبي حنيفة لما بينا وعند أبي يوسف يجب في الأولى دون الثانية وعند محمد وجب القصاص فيهما رواه ابن سماعة؛ لأن سراية الفعل تنسب إلى الفاعل ويجب الفعل مباشرا للسراية فصار كما لو باشر إسقاطهما وكما لو سرى إلى النفس. قال رحمه الله: (وإن ذهب سمعه أو بصره أو كلامه) أي لو شجه موضحة فذهب أحد هذه الأشياء بها لا يدخل أرش الموضحة في أرش أحد هذه الأشياء، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد سواء كانت عمدا أو خطأ وقال أبو يوسف رحمه الله: يدخل أرش الموضحة في دية السمع والكلام ولا يدخل في دية البصر؛ لأنه ظاهر فلا يلحق بالعقل فلا يدخل فيه أرش الموضحة، وأما السمع والكلام فباطنان فيلحقان بالعقل فيدخل فيهما أرش الموضحة كما يدخل في أرش العقل وقد قدمناه بفروعه ولهما أن كل واحد من هذه المنافع أصل بنفسها فيتعدد حكم الجناية بتعددها ولا يدخل بعضها في بعض؛ لأن العبرة لتعدد أثر الفعل لا لاتحاد الفعل بخلاف العقل؛ لأن منفعته تعود إلى كل الأعضاء إذ لا ينتفع بالأعضاء بدونه فصار كالنفس قال في معراج الدراية قال الهندواني كنا نفرق بهذا الفرق حتى رأيت ما ينقضه وهو أنه لو قطع يده فذهب عقله أن عليه دية العقل وأرش اليد بلا خلاف من أحد ولو كان زوال العقل كزوال الروح لما وجب أرش اليد كما لو مات والصحيح من الفرق أن الجناية وقعت على عضو واحد في العقل ووقعت في السمع والبصر على عضوين فلا يدخل. ا هـ. أقول: كما ينتقض الفرق المذكور في الكتاب بالمسألة التي ذكرها الهندواني كذلك ينتقض ما عده صحيحا من الفرق بتلك المسألة عضوا مغايرا لعضو اليد فتكون الجناية فيها واقعة على العضوين بذلك الاعتبار فلم يعتبر العقل في مسألة الشجة أيضا عضوا مغايرا لمحل الشجة حتى تكون هذه المسألة أيضا بذلك الاعتبار من قبيل ما لو وقعت الجناية على عضوين فلا يدخل الأرش في الدية كما في السمع والبصر وبالجملة ما عده الهندواني صحيحا من الفرق هنا لا يخلو عن الانتقاض منه أيضا فتأمل أو نقول ذهاب العقل في معنى تبديل النفس وإلحاقه بالبهائم فيكون بمنزلة الموت ولا كذلك سائر الأعضاء أو نقول إن العقل ليس له موضع يشار إليه فصار كالروح للجسد وقال الحسن أرش الموضحة بخلاف الموضحة مع الشعر والحجة على ما بينا قال بعض الشراح: ووجه الثاني أن السمع والكلام مبطن قال صاحب العناية قيل يريد به الكلام النفسي بحيث لا ترتسم فيه المعاني ولا يقدر على نظم التكلم، فإن كان المراد ذلك كان الفرق بينه وبين ذهاب السمع والعقل عسرا جدا، وإن كان المراد به التكلم بالحروف والأصوات ففي جعله مبطنا نظر. ا هـ. أقول: يمكن أن يقال المراد به هو الثاني والمراد بكون السمع والكلام مبطنين كون محلهما مستورا غائبا عن الحسن بخلاف البصر، فإن محله ظاهر مشاهد فيندفع النظر كما ترى. قال رحمه الله: (ولو شجه موضحة فذهبت عيناه أو قطع إصبعا فشلت أخرى أو قطع المفصل الأعلى فشل ما بقي أو كل اليد أو كسر نصف سنه فاسود ما بقي فلا قود) وهذا كله قول أبي حنيفة مطلقا وقالا يجب القصاص في الموضحة والدية في العينين فيما إذا شجه موضحة فذهبت عيناه وكذا إذا قطع إصبعا فشلت أخرى بجنبها يقتص للأولى ويجب الأرش للأخرى وعنده لما لم يجب القصاص في العضوين يجب أرش كل واحد منهما كاملا، وإن كان عضوا واحدا كقطع الإصبع من المفصل الأعلى فشل ما بقي منها يكتفى بأرش واحد إن لم ينتفع بما بقي، وإن كان ينتفع به يجب دية المقطوع وتجب حكومة عدل في الباقي بالإجماع وكذا إذا كسر نصف السن واسود ما بقي أو اصفر أو احمر يجب السن كله بالإجماع ولو قال اقطع المفصل الأعلى واترك ما بقي أو قال اكسر القدر المكسور من السن واترك الباقي لم يكن له ذلك؛ لأن الفعل في نفسه لم يقع موجبا للقود فصار كما إذا شجه منقلة فقال أشجه موضحة وأترك الباقي ليس له ذلك والأصل عنده أن الفعل الواحد إذا أوجب مالا في البعض سقط القصاص سواء كانا عضوين أو عضوا واحدا لا يجب لهما وفي الخلاصة أن الفعل في محلين مختلفين فيكون جنايتين؛ لأن الفعل يتعدد بتعدد أثره فصار كجنايتين مبتدأتين فالشبهة في أحدهما لا يتعدى إلى الآخر ولأبي حنيفة أن الجزاء بالمثل والجرح الأول سار وليس وسعه الساري فيسقط القصاص ويجب المال والدليل على أنه سار أن فعله أثر في نفس واحدة. والسراية عبارة عن إيلام يتعاقب عن الجناية على البدن ويتحقق ذلك في موضعين منهما كما يتحقق في الأطراف مع النفس بأن مات من الجناية بخلاف نفسين، فإن الفعل في النفس الثانية مباشرة على حدة ليس بسراية الأولى، أو نقول إن ذهاب البصر ونحوه جعل بطريق التسبب، فإن الفعل باق على اسمه لم يتغير والأصل في سراية الأفعال أن لا يبقى الأول بعد حدوث السراية كالقطع إذا سرى إلى النفس صار قتلا فلم يبق قطعا وهاهنا الشجة أو القطع لم ينعدم بذهاب البصر ونحوه فكان الفعل الأول تسببا إلى فوات البصر ونحوه بمنزلة حفر البئر والتسبب لا يوجب القصاص وعن محمد رحمه الله في المسألة الأولى وهي ما إذا شجه موضحة فذهب بصره أنه يجب القصاص منهما رواية ابن سماعة عنه. ووجهه أن سراية الفعل انتسب إلى فاعله شرعا حتى يجعل الفاعل مباشرا للسراية فيؤخذ به كما لو سرى إلى النفس فإنه يجب ويعتبر قتلا بطريق المباشرة بخلاف ما لو قطع إصبعا فشلت بجنبها أخرى أو شجه موضحة فذهب عقله أو كلامه لا يجب القصاص في السمع والكلام والشلل لعدم الإمكان وفي البصر يجب لإمكان الاستيفاء ألا ترى أنه لو أذهبه وحده بفعل مقصود منه يجب القصاص في البصر دون الشلل والسمع والكلام فافترقا ولو كسر بعض السن فسقطت ففيها القصاص على رواية ابن سماعة وعلى الرواية المشهورة لا قصاص فيها ولو شجه فأوضحه ثم شجه أخرى فأوضحه فتكاملتا حتى صارتا شيئا واحدا فلا قصاص فيهما كما في المشهور على رواية ابن سماعة عن محمد يجب القصاص والوجه فيهما ما بيناه. قال رحمه الله: (وإن قلع سنه فنبت مكانها أخرى سقط الأرش) وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا عليه الأرش كاملا؛ لأن الجناية وقعت موجبة له والتي نبتت نعمة مبتدأة من الله تعالى فصار كما لو أتلف مال إنسان فحصل للمتلف عليه مال آخر ولهذا يستأنى حولا بالإجماع أي يؤجل سنة بالإجماع وذكر في التتمة أن سن البالغ إذا سقط ينتظر حتى يبرأ موضع السن لا الحول هو الصحيح؛ لأن نبات سن البالغ نادر فلا يفيد التأجيل إلا أن قبل البرء لا يقتص ولا يؤخذ الأرش؛ لأنه لا يدري عاقبته. ا هـ. قال صاحب العناية بعد نقل ذلك إجمالا وذلك ليس بظاهر، وإنما الظاهر ما قالوه؛ لأن الحول يشتمل على الفصول الأربعة ولها تأثير فيما يتعلق ببدن الإنسان فكل فصل منها يوافق مزاج المجني عليه فيؤثر في إنباته قال ولكن قوله بالإجماع فيه نظر؛ لأنه قال في الذخيرة وبعض مشايخنا قال: الاستيفاء حولا من فصل القلع في البالغ والصغير جميعا لقوله عليه الصلاة والسلام في الجراحات كلها يستأنى حولا وهو كما ترى ينافي الإجماع قال رحمه الله: (وإن أقيد فنبتت سن الأول تجب الدية) معناه إذا قلع سن رجل فأقيد أي أقتص من القالع ثم نبت سن الأول المقتص له يجب على المقتص له أرش سن المقتص منه؛ لأنه تبين أنه استوفى بغير حق؛ لأن الموجب فساد المنبت ولم يفسد حيث نبت مكانها أخرى فانعدمت الجناية ولهذا يستأنى حولا وينبغي أن ينظر الناس في ذلك القصاص خوفا من مثله إلا أن في اعتبار ذلك تضييع الحقوق فاكتفينا بالحول؛ لأنه ينبت فيه ظاهرا على تقدير عدم الفساد، فإذا مضى الحول ولم تنبت فيه قضينا بالقصاص ثم إذا تبين أنا أخطأنا فيه كان الاستيفاء بغير حق إلا أن القصاص سقط للشبهة فيجب المال ولو ضرب سن إنسان فتحركت يستأنى حولا ليظهر فعله، فإن سقطت سنه واختلفا قبل الحول فالقول للمضروب لتيقن التأجيل بخلاف ما لو شجه موضحة ثم جاء وقد صارت منقلة حيث يكون القول للضارب؛ لأن الموضحة لا تورث المنقلة والتحريك يورث السقوط ولو اختلفا بعد القول كان القول للضارب؛ لأنه منكر وقصد مضي الأجل الذي ضرب للثاني ولو لم يسقط فلا شيء للضارب، وإن اختلفا في حصول الاسوداد بضربه فالقول قول الضارب قياسا؛ لأنه هو المنكر ولا يلزم من الضرب الاسوداد فصار إنكاره له كإنكاره أصل الفعل وفي الاستحسان القول قول المضروب لأن ما يظهر عقيب فعل من الأثر يحال على الفعل؛ لأنه هو السبب الظاهر إلا أن يقيم الضارب البينة أنه بغيره. قال رحمه الله: (وإن شج رجلا فالتحم ولم يبق له أثر أو ضرب فجرح فبرأ أو ذهب أثره فلا أرش) وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف رحمه الله عليه أرش الألم وهو حكومة عدل؛ لأن الشين الموجب إن زال فالألم الحاصل لم يزل وقال محمد رحمه الله عليه أجرة الطبيب؛ لأن ذلك أثر فعله فكان له أخذ ذلك من ماله وإعطاؤه الطبيب وفي شرح الطحاوي فسر قول أبي يوسف عليه أرش الألم بأجرة الطبيب والمداواة فعلى هذا الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد ولأبي حنيفة رحمه الله أن الموجب هو الشين الذي يلحقه بفعله وزوال منفعته وقد زال ذلك بزوال أثره والمنافع لا تتقوم إلا بالعقد كالإجارة والمضاربة الصحيحين أو ما يشبه العقد كالفاسد منهما ولم يوجد شيء من ذلك في حق الجاني فلا يلزم الغرامة وكذلك مجرد الألم لا يوجب شيئا؛ لأنه لا قيمة له بمجرد الألم ألا ترى أن من ضرب إنسانا ضربا مؤلما من غير جرح لا يجب عليه شيء من الأرش وكذا لأنه لو شتمه شتما يؤلم نفسه لا يضمن شيئا. قال رحمه الله: (ولا قود بجرح حتى يبرأ) وقال الشافعي رحمه الله يقتص منه في الحال؛ لأن الموجب قد تحقق فلا يؤخر كما في القصاص في النفس ولنا ما روي أنه عليه الصلاة والسلام: «نهى أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه» رواه أحمد والدارقطني ولأن الجراحات يعتبر فيها مآلهما لاحتمال أن تسري إلى النفس فيظهر أنه قتل فلا يعلم أنه جرح إلا بالبرء فيستقر به. قال رحمه الله: (وكل عمد سقط فيه قوده لشبهة كقتل الأب ابنه عمدا ففيه دية في مال القاتل وكذا ما وجب صلحا أو اعترافا أو لم يكن نصف العشر) أي نصف عشر الدية لما روي عن ابن عباس موقوفا ومرفوعا: «لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا» ولأن العاقلة تتحمل عن القاتل تخفيفا عنه وذلك يليق بالمخطئ؛ لأنه معذور دون المتعمد؛ لأنه يوجب التغليظ والذي وجب بالصلح إنما وجب بعقده والعاقلة لا تتحمل ما يجب بالعقد، وإنما تتحمل ما يجب بالقتل وكذا ما لزمه بالإقرار لا تتحمله العاقلة؛ لأن له ولاية على نفسه دون عاقلته فيلزمه دونهم، وإنما لا تتحمل أقل من نصف عشر الدية؛ لأنه لا يؤدي إلى الإجحاف والاستئصال بالجاني والتأجيل تحرزا عنه فلا حاجة إليه ثم الكل يجب مؤجلا إلى ثلاث سنين إلا ما وجب بالصلح، فإنه يجب حالا؛ لأنه واجب بالعقد فيكون حالا بخلاف غيره وما دونه أرش الموضحة يجب في سنة لا ما دون ثلث الدية والثلث وما دونه يجب في سنة وقال الشافعي رحمه الله ما وجب بقتل الأب ابنه يجب حالا؛ لأن القصاص سقط شرعا إلى بدل فيكون ذلك البدل حالا كسائر المتلفات ولنا أن المتلف ليس بمال وما ليس بمال لا يضمن بالمال أصلا؛ لأنه ليس بقيمة إذ لا تقوم مقامه وقيمة الشيء ما يقوم مقامه، وإنما عرفنا تقومه بالمال بالشرع والشرع إنما قومه بدية مؤجلة إلى ثلاث سنين وإيجاب المال حالا زيادة على ما أوجبه الشرع وصفا كما لا يجوز إيجاب الزيادة على ما أوجبه الشرع قدرا. قال رحمه الله: (وعمد الصبي والمجنون خطأ وديته على عاقلته ولا تكفير فيه ولا حرمان فيه) أي عن الميراث، والمعتوه كالصبي وقال الشافعي رحمه الله عمده عمد فتجب الدية في ماله؛ لأن العمد هو القصد وهو ضد الخطأ فمن يتحقق منه الخطأ يتحقق منه العمد ولهذا يؤدب ويعزر وكان ينبغي أن يجب القصاص إلا أنه سقط للشبهة؛ لأنهم ليسوا من أهل العقوبة فيجب عليهم موجبه الآخر وهو المال؛ لأنهم أهل لوجوبه عليهم فصار نظير السرقة، فإنهم إذا سرقوا لا يقطع أيديهم ويجب عليهم ضمان المال المسروق لما قلنا ولهذا وجب عليهم التكفير بالمال؛ لأنه أهل لفوات المالية دون الصوم لعدم الخطاب وكذا يحرم الميراث عنده بالقتل ولنا أن مجنونا صال على رجل بسيف فضربه فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فجعل عقله على عاقلته بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم وقال عمده وخطؤه سواء ولأن الصبي مظنة المرحمة «قال عليه الصلاة والسلام من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا فليس منا» والعاقل المخطئ لما استحق التخفيف حتى وجبت الدية على عاقلته فهؤلاء أولى بهذا التخفيف فيجب على العاقلة إذا كان الواجب قدر نصف العشر أو أكثر بخلاف ما دونه؛ لأنه يسلك به مسلك الأموال كما في البالغ العاقل؛ لأنه لم يتحقق العمد منه؛ لأنه عبارة عن القصد وهو يترتب على العلم والعلم بالعقل وهؤلاء عدموا العقل فكيف يتحقق منهم القصد وصاروا كالنائم وحرمان الإرث عقوبة وهم ليسوا من أهلها والكفارة كاسمها ساترة ولا ذنب لهم تستره؛ لأنهم مرفوع عنهم القلم ولأن الكفارة دائرة بين العبادة والعقوبة يعني أن فيها معنى العبادة ومعنى العقوبة ولا يجب عليهم عبادة ولا عقوبة وكذا سبب الكفارة تكون دائرة بين الحظر والإباحة لكون العقوبة متعلقة بالحظر وفعلهم لا يوصف بالجناية؛ لأنها اسم لفعل محظور وكل ذلك ينبئ عن الخطاب وهم ليسوا بمخاطبين فكيف تجب عليهم الكفارة والله أعلم.
|